كما في السنوات السابقة ، أخذت قلیل المال و قصدت السفر إلى كربلاء…
في منتصف الطريق رأيت هذا الرجل…
كنت أتمنى لو كنت قد انحرف طريقي عنه في تلك اللحظة…
سافرت معه ، كان اجتماعيًا وجميلًا ، كان جيدًا و ليس لديه مشاكل ، كان مرحًا ورشيقًا. لقد شكرت الله مرات عديدة في قلبي على السفر معه ، ولكن بعد عدة منازل ، حل اللون الأصفر محل خديه الأحمر و تحولت شفتاه إلى اللون الأبيض وأصيبت عيناه بالخدر.
أمسكت بيديه لكنهما كانا باردين. هز شفتيه بکل قوّته لكنني لم أسمع سوى صوت غير مفهوم ، فأخذته إلى المنتجع في الطريق.قالوا إننا وصلنا إلى منزل خطير وعلينا انتظار وصول القوافل الأخرى ، وبعد ذلك ، نظرًا لزيادة عددنا ، يمكننا المرور عبر المنزل بأمان.
عندما سمعت الخبر صارت الفرحة في عيوني… استراحة لمدة يومين، كان من الممكن أن تجعل زميلي المسافر يشعر بتحسن. قلت له : “أنت بخيران شاالله. يا أخي ، أرى أنت واقف وتزور.
فقط استرح لمدة يومين حتى تعود قوتك المفقودة”
فعلت كل ما في وسعي ، وحصلت على الأدوية ، وأطعمته أنواع الجرعات العشبية ، لكنه لم ینجح.
ساءت حالته… لدرجة أن كل من مر به هز رأسه وطلب الرحمة له…
لم يبقی لدي شك في أنه كان في آخر ساعات حياته…
وصل الخبر أن القوافل قد وصلت وأننا ذاهبون إلى كربلاء في أسرع وقت ممكن…فتح عينيه بصعوبة و حدق في وجهي.
لم اعرف ماذا افعل .. أتركه إلى وحده؟؟أم أبقى إلى جانبه ؟؟… فإذا تركته وتوفى في المنفى وحيدا ، فسأكون مسؤولا أمام الله وأخجل من أهله.
وإذا بقيت معه ، ستذهب القافلة وسأفتقد الزيارة التي لم تفت مني منذ 24 عامًا.
اضطررت للذهاب ، لم يعد الرجل جيدًا ، لم يكن من المفيد بالنسبة لي البقاء … حزمت أغراضي…
فبكى…
تقدمت…
_عليّ أن أذهب يا أخي… أدعوا الله أن يشفيك…
ما إن خرجت هذه الجملة من فمي ، حتى اندلعت الدموع على وجهه ، ورأيت العجز والوحدة في عينيه وصار قلبي يحلق.
جمع كل قوته بصعوبة وقال: سأموت في ساعة أخرى. انتظر ، فإذا متّ خذني إلى كرمانشاه بنفس الحمار ، ومن هناك أحضرني إلى كربلاء.
ثم بدأ في البكاء…
لو أتركه هنا كيف أقابل الإمام الحسين (عليه السلام)؟.
سمعت صوت مغادرة القافلة شيئًا فشيئًا …صار محل الراحة بأكمله فارغ ، ووصل كل من يسافر معنا إلى القافلة حتى لا يتخلف عن الركب ويفقد طريقه. كنت حزينًا ، لم أكن أعرف هل استطع رؤية القافلة عندما غادرت أم لا؟
بعد ساعات قليلة من مغادرة القافلة ، كانت الشمس تغرب في السماء عندما رأيت يده مرتخية وترك قميصي ، وضغطت أذني على قلبه ، لكنه لم ينبض….قد مات…
أسحب حبل الحمار…
_ياحيوان….أسرع….تحرك…
وبينما يتحرك الحمار تسقط الجثة إلى ألأرض، هجم الخوف والوحدة إلى قلبي… قالوا إن هناك بيتًا خطيرًا أمامنا ، ماذا أفعل هنا وحدي؟
أقف بحزن في مواجهة كربلاء و وجهي كله مبلل بالدموع…
سيدي العزيز! ماذا أفعل بزائرك هذا؟
إذا تركته في هذه الصحراء فأنا مسئول أمام الله وأمامك ، وإذا أردت أن أحضره فلا أستطيع … أنا عاجز … أنا غريب…
رفعت رأسي لأمشي مرة أخرى عندما رأيت أربعة رجال يقتربون نحوي…
_الحمد لله… لقد رأيت متحرك بهذا الطريق…
وقف الفرسان أمامي وسأل الأطول قامة منهم: ياجعفر ماذا تفعل بزائرنا؟
أقول في نفسي:كيف يعرف اسمي؟
_سيدي ماذا افعل… انا عاجز في عمله…
عندما نظرت إليه ، نزل ثلاثة ركّاب آخرين…
واحد منهم يغرق رمحه في الأرض.فرأيت أن الماء يغلي من قلب الأرض الجافة فتعجبت للغاية.
غسلوا جسد رفيقي المسافر ثم وضعوه في المقدمة و وقفوا الجميع للصلاة عليه.
صليت معهم…
أريد أن أطرح سؤالاً ، لكنهم وضعوا الجثة على الحمار ، وربطوها بإحكام بحبل واختفوا على الفور ، قلبي ينبض بسرعة ، كل شيء في هذه الرحلة عجيب …عجيب ومخيف.
خطوت بضع خطوات فرأيت نفسي بقرب الجسر الأبيض بالقرب من كربلاء ، كيف أدرك ما حدث…؟
هناك ألف سؤال يدور في رأسي…
دفنت زميلي المسافر في مكان آمن وأستعدت للزيارة.
الآن أدرك كل ما حدث…
أنا سعيد و فرح الآن … فرحة غير منتهية….(١)
١)عبقري الحسان،العبقرية الخامسة،ياقوتة٢٠، ص ٣٢٩
أضف تعليق