(الدکتور فيصل غازي جاسم)
تمهيد :
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين و على آله الطيبين الطاهرين و صحابته الغر المحجلين و بعد… .
فإن الناس في كل أنحاء العالم بصورة عامة منقسمون حول موضوع المنقذ المنتظر الذي ينتظر ظهوره في آخرالزمان إلى قسمين قسما يرى أن من المهم معرفة كل ما يمكن من معلومات عن المنقذ المنتظر وكل ما يتعلق به و بوقت ظهوره و حقيقة شخصيته و غالبا أن هذه الفئة هي من المؤمنين بوجود الله الخالق
لأن كل الديانات السماوية و حتى الغير سماوية قد بشرت بظهور هذا المنقذ في آخرالزمان الذي سيخوض حرباً عالمية ضد الشر بكل صوره و سينشر العدل والسلام في الأرض و نزول المسيح(ع)
و من ثم بعد هذا لن يبقى إلا عدة عقود من السنين و تقوم القيامة و ما تمثله من انتهاء وجود الإنسان على هذه الأرض و انتقاله إلى عالم آخر حيث يحاسب الله سبحانه و تعالى كل إنسان على عمله.
أما القسم الآخر فهم معتنقو الأفكار العلمانية أو الإلحادية حيث إنهم يرون أن كل ما ذكر عن هذا المنقذ ما هي إلا خرافات و معتقدات آمنت بها الشعوب المتخلفة و المغلوبة على أمرها
و التي كانت ترزح تحت سيطرة شعوب أقوى منها فمنّت نفسها بسراب الخلاص على يد إنسان ذو قدرات خارقة يظهر حين غفلة من الزمن و ينتقم لهم من مستعبديهم و يعيد لهم مجدهم و سيطرتهم التي وعدهم بها الله على بقية الخلق…
و أن هذا الاعتقاد مما يقود و يشجع الشعوب على الاستكانة للذل و الخضوع و يعرقل كل من يسعى للتحرر و التقدم للأفضل و هم يعتقدون أن كل من يبحث أو يخوض في هذا الأمر
هو إنسان يؤمن بالخرافات و المعتقدات البالية ومما لا داعي لإضاعة الوقت في نقاشه و الحوار معه حول الموضوع و هؤلاء يشكلون تقريبا وحدة واحدة في الرأي لا اختلاف في ما بينهم.
و أما الذين يؤمنون بظهور هذا المنقذ العالمي فأن الاختلاف في ما بينهم ظاهر فكل منهم يدعي أن المنقذ المنتظر سيظهر من جماعته و أن الباقين واقعين في ضلالة و أن المنقذ سيقتص منهم لأنـهم لم يؤمنوا بظهوره (شخصيا) مع كل صفاته التي ذكرتها كل أمة…
بل أن الاختلاف حاصل مع أفراد الدين الواحد في صفات و العلامات التي تدل أو تخص هذا الشخص. لاجل هذا اقتضت الضرورة البحثية ان يقسم البحث الى ثلاث مباحث
- المبحث الاول: فلسفة الظهور عند المسلمين؛
- المبحث الثاني: فلسفة الظهور عند المسيح واليهود؛
- المبحث الثالث: الدراسة المقارنة بين الديانات الثلاث؛
المبحث الاول: فلسفة الظهور عند المسلمين :
الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر (ع) قضية أساسية في عقيدة المسلمين وقد شغلتهم وما تزال منذ بشّر خاتم المرسلين(ص) به، وأكّد ظهوره في آخرالزمان في أحاديث جمّةٍ، وفي موارد ومناسبات لا تحصى كثرة بلغت حدّ التواتر، فصار الاعتقاد به من ضروريات الاسلام۱.
ومع ذلك كلّه فقد نجم في القرون الماضية وفي قرننا الحالي من أنكر وشكّك فيه إمّا تأثراً بمناهج مادية او بسبب عصبية مذهبية أو لجهلٍ بما أودع في الصحاح والمسانيد والسنن ومئات الروايات عن طريق الفريقين السنّة والشيعة،
ولقد ألّف العلماء المتقدمون والمتأخرون عشرات الكتب كما كُتبت فصول أو دراسات تضمنت أدلةً معتبرة واحتجاجات سليمة وقوية على وجود المهدي وصدق القضية بما لا ينبغي معه أن يرتاب فيه مسلم صحيح العقيدة يؤمن بما يخبر به الرسول(ص).
ولقد بلغ من رسوخ هذه العقيدة في الامّة المسلمة أن استغلّها بعض الأدعياء، وادّعوا المهدوية، ولكن سرعان ما انكشفوا وافتُضحوا، كما افتُضح أدعياء النبوّة.
المبحث الثاني: فلسفة الظهور عند اليهودية والمسيحية :
يعتقد اليهود أن المخلّص الموعود هو من بني إسرائيل، وأنه من نسل النبي داوود، وقالوا إن هذا المخلّص _ والذي أسموه بالمسيح _ سوف يخرج في آخرالزمان، فيقيم العدل ويُصلح ما فسد من أخلاق الناس وسلوكياتهم، وتنعم الأرض بعد مجيئه بالخير والبركات…
لم يحدد اليهود معالم شخصية هذا المخلص ولا مكان ظهوره، كما أحاطوه بالغموض واكتفوا بالقول إنهم ينتظرون هذا المخلّص ليكشف هو عن نفسه عند ظهوره. وهذا الموقف من اليهود له أسبابه الخاصة الكامنة في أنفسهم, لأن ما جاء في أسفارهم لا يتفق مع رغباتهم وأهوائهم في كون هذا المخلّص يعود إليهم نسباً…
فهم يجدون نصوص أسفارهم تُعيّن شخصيةً لا تمت إليهم بصلة، لا من الناحية العقائدية ولا من الناحية النسبية، فهو ابن النبي الموعود في آخرالزمان الذي تدين جميع البشرية بدينه.
ويكون هذا النبي من نسل إسماعيل بن إبراهيم (عليهماالسلام) وليس هو من نسل إسحاق كما كانوا يتمنون.
فتعمدوا إلى إخفاء الكثير من معالم هاتين الشخصيتين وأحاطوهما بالرموز والكنايات كي لا يتعرف عليهما غيرهم من الأمم.
وعلى الرغم من ذلك فقد جاءت بعض النصوص واضحة المعالم بينة الحجة، كما في الفقرة (20) من الفصل (17) من سفر التكوين وفيه: (لقد سمعت دعاءك بخصوص إسماعيل. ها أنا أباركه وأثمره وأجعله كبيراً (أو عظيماً) بما ماد واثني عشر إماماً يكونون من نسله، وسيكون أمة عظيمة). ۲
هذا النص التوراتي جاء استجابةً من الله تعالى لدعاء السيدة هاجر زوجة إبراهيم الخليل لابنها إسماعيل، بعدما عزم إبراهيم (ع) أن يأخذها وابنها إلى مكة المكرمة بيت الله العتيق، الذي لا زرع فيه ولا ماء.
والنص واضح على ما فيه من الرموز، فقد جاء في الحديث الشريف عن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله(ص) يقول: (لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة) ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلتُ لأبي: ما قال؟ فقال: (كلهم من قريش). ۳
جمع النصارى كتب وأسفار اليهود مع كتبهم وأسفارهم في كتاب واحد أسموه (الكتاب المقدس). وأطلقوا علىهذا الكتاب تسمية (العهد القديم) على كتب وأسفار اليهود، وأطلقوا على كتبهم وأسفارهم (العهد الجديد) أي العهد الذي يبدأ بظهور عيسى بن مريم (ع) على ساحة الدعوة إلى الله.
آمن النصارى بوجود المخلّص الذي سينقذ البشرية في آخرالزمان، اعتقاداً منهم بما هو موجود في (الكتاب المقدس) وقالوا إنّ المخلّص الموعود الذي بُشرَ به في أسفار العهد القديم ( والذي أسماه اليهود بالمسيح ) هو عيسى بن مريم. لذا أطلقوا عليه اسم (السيد المسيح).
حاول علماء النصارى تأويل ما جاء في أسفار العهد القديم، ليبرهنوا على أن شخصية المخلِّص الموعود هو نفسه عيسى بن مريم لكنّهم واجهوا الكثير من الإشكاليات، لعدم تطابق أوصاف المخلّص الموعود مع أوصاف نبيّهم وما جرى معه. كهذا النص الذي ورد في العهد القديم ، ونصه: (اللهم أعط شريعتك للملك، وعدلك لابن الملك). ٤
فلم يتمكن النصارى من إعطاء جواب مقنع لهذه الفقرة. فإذا كان عيسى هو صاحب الشريعة فمن يكون ابنه، وهو لم يتزوج أصلاً؟!. وإذا كان هو ابن الملك صاحب الشريعة الذي يبسط سلطانه على ممالك الأرض، فمن هو أبوه؟!.
عجز النصارى عن تفسير ما جاء في كتبهم وأسفارهم حول المخلّص الموعود، ولم يتمكنوا من تفسيرها تفسيراً منطقياً يُرضي العقل. ومثال ذلك ما جاء في سفر الرؤيا ليوحنا صاحب إنجيل يوحنا، في رؤياه الثانية عشر :
- وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً.
- وهي حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد.
- فولدت إبناً ذكراً عتيداً أن يرعى الأمم بعصاً من حديد. واختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه.٥
هذه مقتطفات من رؤيا القديس يوحّنا التي تحكي لنا ملحمةً إلهية بشكل رمزي كنائي، يدور فيها صراع بين المرأة المتسربلة بالشمس والمكللة بإكليل من اثني عشر كوكباً ونسلها ضد التنين، الذي هو رمز الطغيان والشر.
فسّر علماء الكنيسة المرأة التي تتسربل بالشمس بأنها مريم (عليها السلام) وأن الكواكب الاثني عشر التي فوق رأسها هم الحوارين أصحاب عيسى (ع) وأن ابنها الذي يرى الأمم بعصاه _ وهو ما يرمز هنا إلى المخلّص الموعود _ فسّروه بأنه المسيح عيسى بن مريم.
التفسير ظاهر البطلان، بصريح نصوص الأناجيل الأربعة التي يدينون بها. فمريم لم يكن لها نسل كثير ( كما ينص الإنجيل) سوى ابنها عيسى (ع) وكذلك عيسى لم يكن له نسل قام بالجهاد في سبيل الله ومقاومة الطغاة والمستبدين بل ليس له ابن أصلاً.
كما أن عيسى (ع) نفسه لم يأمر أصحابه بالجهاد ضد المفسدين من رؤساء الكهنة والحكام وغيرهم بل جاءت دعوته سليمةً، لأنه لم يجد الأعوان على ذلك.
والذي يفهم من الأناجيل أيضاً أن مريم (عليها السلام) لم يكن لها أي دور في تبليغ رسالة السماء مع ابنها، حيث كان دورها هامشياً لا يتعدى كونها أم المسيح.
فالمرأة العتيدة في هذه الرؤيا، بالتأكيد هي ليست مريم بل هي امرأة أخرى لها نسل كثير يقارعون الظلمة والطواغيت، ولها ابن يخشاه هؤلاء الطغاة فيحاولون قتله (فيخطفه الله إلى عرشه).
وهذه المرأة العظيمة هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي كان لها دور عظيم في إرساء قواعد الإسلام الحنيف، وكذلك نسلها الذي قدم الكثير من الأموال والأنفس فداءً للإسلام، أولهم ابنها الحسين (ع) وأهل بيته الأطهار الذين قتلوا ظلماً عند نهر الفرات وهو مَن تشير إليه عبارة الإنجيل: (ذبيحة الرب في الشمال عند نهر الفرات)٦.
وهناك نصوص أخرى عن المخلّص الموعود موجودة في أناجيل وأسفار النصارى أعرضنا عن إيرادها مخافة التطويل.
جاء دين الإسلام ليؤيد ما جاء في الأديان السماوية السابقة، من وجود المخلّص الذي بُشر به، وسُمي المخلص عند المسلمين بالمهدي. واعتبر الدين الإسلامي أن الإيمان به هو أصل من أصول الدين، لا يجوز لأي فرد ينتسب إلى الإسلام إنكاره.
النصوص التي تحدثت عن شخصية المهدي كثيرة جداً، و هى على نوعين :
النوع الاول :
من النصوص جاءت بخصوص عقيدة المهدي، كالأحاديث التي تُحدد نسبه، والأحاديث التي تبين أوصافه وأحوال ولادته وغيبته. ومن هذه الأحاديث: ما أخرجه أبو داوود وابن ماجة والطبراني عن أم سلمة قالت: سمعتُ رسول الله (ص) يقول: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة).٧
ومن الأحاديث التي ذكرت ملامح المهدي (ع) ما روي عن الإمام الباقر بسنده عن آبائه (عليهمالسلام) عن سيد العترة الطاهرة الإمام أميرالمؤمنين (عليهمالسلام) أنه قال وهو على المنبر:
يخرج رجل من ولدي في آخرالزمان، أبيض اللون، مشربٌ بالحمرة، مندح البطن، عريض الفخذين، عظيم شاش المنكبين، شامة على لون جلده، وشامته على شبه شامة النبي (ص).٨
النوع الثاني:
فهي تلك التي تتحدث عن خروج الإمام المهدي (ع) من بين الركن والمقام ليبدأ عملية التغيير.
منها ما روي عن أبي حمزة الثمالي قال: قلتُ لأبي عبدالله (ع): إن أبا جعفر (ع) كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم.
فقال أبوعبدالله (ع): واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم). ٩
وهناك نصوص أخرى تتضمن كلا النوعين وهي كثيرة أيضاً، ويمكن استخراجها من مصادر كلا الفريقين الشيعة والسنة.
إن عقيدة المخلص الموعود هي من الحقائق التي أثبتتها الديانات السماوية الثلاث بنصوص واضحة.
إن علماء اليهود والنصارى الذين وضعوا كتبهم وأسفارهم قديماً يدركون يقيناً أن هذا المخلّص الموعود ابن النبي الخاتم و هو رسول الله محمد (ص) كما قال الله (عز وجل) في كتابه العزيز: (الذين آتيناهم الكتاب من قبله، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم).
فاليهود تمنوا أن يكون هذا المخلص يهودياً من نسل داوود، لذلك حاولوا تأويل بعض النصوص وإخفاء البعض الآخر وتحريفه حسداً من عند أنفسهم، لأنهم عرفوا أن هذا المخلّص هو من نسل إسماعيل ابن إبراهيم الخليل (عليهما السلام).
أما علماء النصارى فقد قالوا إن المسيح الذي جاء ذكره في أسفار العهد القديم هو عيسى بن مريم، وهو المخلص الموعود.
فاليهود لم يحددوا هوية هذه الشخصية، ولكن وضعوا علامات لخروجه. أما النصارى فقد عيّنوا الشخصية ولم يحددوا علامات خروجه. والذي جاء في الدين الإسلامي، يضع حداً لهذه الإشكاليات والتناقضات التي وقع بها اليهود والنصارى.
فقد حدد الدين الإسلامي هوية هذا المخلّص بدقة وسمّاه بالمهدي وصرّح بأنه من نسل رسول الله خاتم النبين، ودينهُ خاتم الأديان. ثم ذكرت الروايات علامات خروجه بتفاصيل دقيقةً، مما يثبت بشكل قطعي إن هذا المخلّص الموعود هو ابن النبي الخاتم.
المبحث الثالث: الدراسة المقارنة
لا أعتقد أنّ بحثاً من البحوث الإسلامية قد نال إهتمام علماء الإسلام كموضوع الإمام المنتظر المهدي الموعود (ع) فقد بُحث من جميع جوانبه على ضوء الكتاب والسنّة،
وقد تعرّض القرآن لهذه الفكرة والوعد الإلهي بقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِى الصَّالِحُونَ).١٠
فالزبور كتاب داوود، والذّكر هو التوراة كما جاء في التفاسير ولابدَّ أن يتحقق هذاالوعد الإلهي يوماً ما، وإن كان هذا اليوم هو آخر يومٍ من عمر الدنياكما ورد عن رسول الله (ص):
(لو لم يبقَ من الدهر إلّا يوم واحد لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً). ١١
إنّ أمثال هذه الآيات التي لم نذكر إلّا نماذج منها، وغيرها من الآيات شواهد على أنَّ قيادة العالم ستنتهي لعباد الله الصالحين،وهذا الأمر لا خلاف فيه بين الأديان والمذاهب، وهذه الحقيقة من شأنها أن تساعد على إسقاط أربع شبهات في المسألة المهدوية في آن واحد.
فهي توضّح أوّلاً:
بطلان الشبهة القائلة بتفرّد الشيعة بالقول بالمهدوية.
وثانياً:
بطلان الشبهة القائلة بأن المهدوية أسطورة إذ ليست هناك اسطورة تحظى باجماع الأديان السماوية وغير السماوية ويتبناها العلماء والمفكرون والفلاسفة.
وثالثاً:
بطلان الشبهة القائلة بدور اليهود في ايجاد العقيدة بالمهدوية بحجة أن الفكرة موجودة عند اليهود وغيرهم.
كما توضّح رابعاً:
بطلان الشبهة القائلة بأنَّ فكرة المهدوية وليدة الظروف السياسية الحرجة التي عاشها أتباع أهلالبيت (عليهمالسلام)،فما أكثر المظلومين والمضطهدين على مَرِّ التاريخ وعبر الزمن وفي شتى بقاع الأرض ومع ذلك لم يعرف عنهم هذا الإعتقاد، وما أكثرالأفراد والجماعات التي آمنت بهذه الفكرة بدون معاناة لظلم واضطهاد.
وردت روايات كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهمالسلام) وهي تدل على تعيين نسب المهدي وكونه من أهلالبيت (عليهمالسلام) ومن ولد فاطمة (عليها السلام) ومن ذرية الحسين (ع) وهو الإمام والخليفة الثاني عشر بعد الرسول (ص).
والمتتبع للأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي في كتب أهل السنّة سيجدها تنسجم مع روايات الشيعة وتؤكد حقيقة واحدة.
الإمام المهدي الموعود في روايات أهل السنّة:
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (يخرج في آخرالزمان رجل من ولدي، اسمه كاسمي وكنيته ككنيتي، يملأ الأرض عدلاًكما مُلئت جوراً فذلك هو المهدي). ١٢
وعن حذيفة بن اليماني رضى الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله فذكّرنابما هو كائن، ثم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد، لطوّل الله عزّ وجلّ ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً من ولدي اسمه اسمي)
فقال سلمان الفارسي (رض): يا رسول الله من أي ولدك؟ قال صلى الله عليه وآله: (من ولدي هذا) وضرب بيده على الحسين (ع).١٣
ولادة الإمام المهدي (ع) المصلح العالمي
ولد المصلح العالمي المنتظر الإمام الثاني عشر الحجّة بن الحسن المهدي الموعود صلوات الله عليه وعلى آبائه في فجر يوم الجمعة النصف من شعبان سنة مئتين وخمس وخمسين هجرية قمريّة (255 هـ. ق) الموافق لعام 868 ميلادي في مدينة سامراء.
وأبوه هو الإمام الحادي عشر الحسن العسكري (ع)، وأمّه السيّدة الكريمة (نرجس) وتسمّى بـ (سوسن) أيضاً، وهي ابنة (يوشعا)قيصر الروم، ومن الأم من نسل (شمعون) أحد حواريّي المسيح (ع).
وكانت نرجس ذات منزلة رفيعة بحيث انّ حكيمة _ وهي أخت الإمام الهادي (ع) والتي تعتبر من أهمّ سيّدات أهلالبيت (عليهمالسلام) _ تخاطبها بقولها: (يا سيّدتي).١٤
ولادة الإمام المهدي (ع) بين الإعلان والكتمان:
إنّ تاريخ بني أميّة وبني العبّاس، ولا سيّما منذ عصر الإمام الصادق (ع) فما بعد، شاهد صدق على حساسية الخلفاء من الأئمة المعصومين، وذلك لأنّ هذه الشخصيات الكريمة كانت مورداهتمام المجتمع واحترامه،
وكلّما مرّ الزمن ازداد نفوذهم وتعاظم حبّ الناس لهم، وبلغ الأمر بالخلفاء العباسيين ان رأوا سلطتهم في معرض الخطر، وبالخصوص عندما سمعوا ما اشتهر بين الناس من انّ المهدي الموعود من نسل النبي ومن أحفاد الأئمة المعصومين وهو ابن الإمام العسكري وسوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ماملئت ظلماً وجوراً،
ومن هنا فقد أُخضع الإمام العسكري لمراقبة شديدة، وجُعِل تحت النظر في مركز الحكم العباسي (سامراء )كأبيه وجدّه، وحاول العباسيون بكلّ ما أوتوا من قوّة الحيلولة دون ولادة هذا الطفل وتربيته،
إلّا أنّ المشيئة الإلهيّة تعلقّت بحتميّة هذه الولادة ولذا بائت جميع محاولاتهم بالفشل الذريع وذهبت جهودهم إدراج الرياح، وقد جعل الله تعالى ولادته _ مثل موسى(ع) _ أمراً مخفيّاً،
ومع ذلك فان الصفوة المختارة من أصحاب الإمام العسكري (ع) قد شاهدوا الإمام الموعود مرّات عديدة في زمان حياة والده الكريم، وعندما استشهد الإمام العسكري (ع) فقد ظهرأيضاً إمام العصر (ع) وصلّى على جثمان والده ورآه الناس في هذه الحالة ثم غاب عنهم.
الإمامة المبكرة للإمام المهدي (ع):
قبل وفاة الإمام العسكري (ع) بخمسة عشر يوماً، كتب الإمام رسائل عديدة لشيعته من أهالي المدائن وسلّم الرسائل إلى خادمه أبي الأديان، وقال له: (امضي بها (أي بالرسائل) إلى المدائن، فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى (سرّ من رأى) يوم الخامس عشر (أي من سفره) وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل.
قال: أبو الأديان: فقلت يا سيدي فإذا كان ذلك فمن الإمام بعدك؟
قال: مَنْ طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي، ومن يُصلّى عليَّ فهو القائم بعدي فقلت زدني؟ فقال (ع): مَن أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي.
ثم منعتني هيبة الإمام أن أسأله عما في الهميان، وخرجت بالكتب (الرسائل) إلى المدائن، وأخذت جواباتها، ودخلت (سرّمَن أى) يوم الخامس عشر _ كما ذكر لي (ع) _ فإذا أنا بالواعية (الصراخ) في داره وإذا به على المغتسل،
وإذا بجعفر بن علي أخ الإمام العسكري بباب الدار، والشيعة من حوله يُعزّونه بوفاة الإمام (ع) ويهنئونه بالخلافة والإمامة، فقلت _ في نفسي _ إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة. فتقدمت فعزّيت وهنأت، فلم يسألني عن شي ء،
ثم خرج عقيد (خادم الإمام العسكري) فقال: يا سيدي قد كُفِّن أخوك، فقم وصلّ عليه، فتقدّم جعفر بن علي ليُصلّي على أخيه، فلّما همّ بالتكبير خرج صبّي بوجهه سُمُرة، بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب رداء جعفر بن علي وقال (تأخّر يا عم، فأناأحقّ بالصلاة على أبي)
فتأخر جعفر، وقد إربدّ وجهه واصفرّ،فتقدم الصبيُّ وصلّى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه الهادي (عليهماالسلام) ثم قال الصبي: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك، فدفعتها إليه،وقلت هذه بيّنتان بقي الهميان.
بينما نحن جلوس، إذ قدم نفر (جماعة) من قم، فسألوا عن الحسن بن علي (ع) فعرفوا موته: قالوا: فمَن الإمام بعده؟ فأشارالناس إلى جعفر، فسلّموا عليه، وعزّوه، وهنئوه، وقالوا: إنّ معناكتباً ومالاً، فتقول ممّن الكتب؟ وكم المال؟ فقام جعفر ينفض أثوابه ويقول: تُريدون منّا أن نعلم الغيب؟!
فخرج الخادم (أي: خادم الإمام المهدي (ع)) فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار، عشرة دنانير منها مطليّة (بالذهب). فدفعوا إليه الكتب والمال، وقالوا: الذي وجّه بك لأخذذلك هو الإمام… إلى آخر الحديث). ١٥
وترى جعفراً يصرُّ على باطله ولا يتنازل عنه، وقد حمل إلى الخليفة المعتمد العباسي عشرين ألف دينار، لما توفي الحسن العسكري وقال له: يا أميرالمؤمنين… تجعل لي مرتبة أخي الحسن و منزلته!
فقال الخليفة: إعلم أن منزلة أخيك لم تكن بنا، إنّما كانت بالله عزّ وجلّ، ونحن كنّا نجتهد في حطّ منزلته والوضع منه، وكان الله عزّوجلّ يأبى إلّا أن يزيده رفعة، لما كان فيه من الصيانة والعلم والعبادة.
فإن كنت عند شيعة أخيك بمنزلته فلا حاجة بك إلينا، وإن لم تكن عندهم بمنزلته ولم يكن فيك ما كان في أخيك،لم نُغنِ عنك شيئاً.
نعم تولّى الإمام المهدي (ع) بعد وفاة أبيه (ع) إمامة المسلمين في صغر سنه وكان عمره آنذاك خمس سنين وهذه الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية في حياة أئمة أهلالبيت (عليهمالسلام)،
فالإمام الجواد (ع) والإمام الهادي تولّيا الإمامة في الثامنة أو التاسعة من عمرهما وحينئذٍ لم يعد هناك اعتراض فيما يخص الإمامة المبكرة للإمام المهدي (ع) ويكفى دليلاً ومثالاً لظاهرة الإمامة المبكرة قوله تعالى:
(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّة وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)١٦ و قوله تعالى: (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِصَبِيّاً * قالَ إِنِّي عَبْدُاللهِ آتانِى الْكِتابَ وَجَعَلَنِى نَبِيّاً)١٧
فإنّ الله الذي أعطى يحيى الحكم وهو صبيّ وأعطى النبوة لعيسى وهو في المهد صبياً قادر على اعطاء الإمامة لعدد من أولياءه ومنهم الإمام المهدي (ع) وهو في سن الصبا، وقد تحقق ذلك فعلاً و لا حاجة لمزيد من الأدلّة لإثبات ذلك بعد ما ذكرنا من الكتاب الكريم من المصاديق المشابهة.
المصادر :
۱. راجع: المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنّة والإمامية / الشيخ نجم الدين العسكري، وفيه أكثر من أربعمئة حديث من كتب أهل السنّة.
منتخب الأثر في الامام الثاني عشر ٧ / العلاّمة الشيخ لطف الله الصافي .
٢. كتاب بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار، ص٥٥ .
٣. صحيح مسلم ج٦/ ٤ الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.
۴. المزمور (٧٢) من مزامير داوود.
٥. بشائر الأسفار بمحمد وآله الأطهار، ص٢١٩ .
٦. بشائر الأسفار ص٢٣٩ .
٧.البرهان في علامات مهدي آخر الزمان ص٨٩ .
٨. حياة الإمام المهدي ص ٣٢ .
٩.كتاب الغيبة للطوسي ص ٤٣٥ .
١٠. الانبياء / ١٠٥.
١١.صحيح الترمذي ٢: ٤٦ ومسند ابن حنبل ١: ٣٧٨.
١٢.تذكرة الخواص: ٣٦٣، منهاج السنّة لابن تيمية ٤: ٨٦.
١٣. مقتل الخوارزمي ١: ١٩٦، ينابيع المودة ٣: ٦٣ باب ٩٣، السيرة الحلبية ١: ١٩٣.
١٤.أصول الكافي١: ٥١٤، الارشاد للمفيد: ٣٢٦.
١٥. كمال الدين للشيخ الصدوق 2: 475.
١٦.مريم: 12. ١٧.مريم: 29 و 30.
أضف تعليق