المروجين لأحمد البصري يستدلون في حقانيتِهِ برواية يسمّونَها بالوصيّة و يصفونها بالمقدّسة، بهذا المضمون، يقول النبي (ص)في هذه الرواية من بعدي اثنا عشر اماما و اثنا عشر مهدي ، فيزعمون أحمد البصري هو المهدي الاوّل كما يدّعي . ففي هذه المقاله نردُّ على ما يزعمون.
سوال : ما هي الوصيّة التي وصفوها بالمقدّسة ؟
الروایة التي وصفوها بالمقدسة رواها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي ، في كتاب الغيبة و هذا نصُّها :
أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُفْيَانَ اَلْبَزَوْفَرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سِنَانٍ اَلْمَوْصِلِيِّ اَلْعَدْلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ اَلْخَلِيلِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ اَلْمِصْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ اَلْبَاقِرِ عَنْ أَبِيهِ ذِي اَلثَّفِنَاتِ سَيِّدِ اَلْعَابِدِينَ عَنْ أَبِيهِ اَلْحُسَيْنِ اَلزَّكِيِّ اَلشَّهِيدِ عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِي اَللَّيْلَةِ اَلَّتِي كَانَتْ فِيهَا وَفَاتُهُ لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَا أَبَا اَلْحَسَنِ أَحْضِرْ صَحِيفَةً وَ دَوَاةً فَأَمْلَأَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَصِيَّتَهُ حَتَّى اِنْتَهَى إِلَى هَذَا اَلْمَوْضِعِ فَقَالَ يَا عَلِيُّ إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً وَ مِنْ بَعْدِهِمْ اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً فَأَنْتَ يَا عَلِيُّ أَوَّلُ اَلاِثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً سَمَّاكَ اَللَّهُ تَعَالَى فِي سَمَائِهِ عَلِيّاً اَلْمُرْتَضَى وَ أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلصِّدِّيقَ اَلْأَكْبَرَ وَ اَلْفَارُوقَ اَلْأَعْظَمَ وَ اَلْمَأْمُونَ وَ اَلْمَهْدِيَّ فَلاَ تَصِحُّ هَذِهِ اَلْأَسْمَاءُ لِأَحَدٍ فَإِذَا حَضَرَتْكَ اَلْوَفَاةُ فَسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِيَ اَلْحَسَنِ اَلْبَرِّ اَلْوَصُولِ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِيَ اَلْحُسَيْنِ اَلشَّهِيدِ اَلزَّكِيِّ اَلْمَقْتُولِ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ سَيِّدِ اَلْعَابِدِينَ ذِي اَلثَّفِنَاتِ عَلِيٍّ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلْبَاقِرِ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ جَعْفَرٍ اَلصَّادِقِ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُوسَى اَلْكَاظِمِ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ عَلِيٍّ اَلرِّضَا فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلثِّقَةِ اَلتَّقِيِّ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ عَلِيٍّ اَلنَّاصِحِ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ اَلْحَسَنِ اَلْفَاضِلِ فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ مُحَمَّدٍ اَلْمُسْتَحْفَظِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ فَذَلِكَ اِثْنَا عَشَرَ إِمَاماً ثُمَّ يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ اِثْنَا عَشَرَ مَهْدِيّاً (فَإِذَا حَضَرَتْهُ اَلْوَفَاةُ) فَلْيُسَلِّمْهَا إِلَى اِبْنِهِ أَوَّلِ اَلْمُقَرَّبِينَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَسَامِيَ اِسْمٌ كَاسْمِي وَ اِسْمِ أَبِي وَ هُوَ عَبْدُ اَللَّهِ وَ أَحْمَدُ وَ اَلاِسْمُ اَلثَّالِثُ اَلْمَهْدِيُّ هُوَ أَوَّلُ اَلْمُؤْمِنِينَ .١
سند رواية الوصية :
هذه الرواية سندها ضعیف، بل مظلم جدا، وأغلب رواتها مجاهيل، لم يرد لهم ذكر في كتب الرجال، لا بمدح ولا بقدح.
وإليك بیان حال بعضهم :
١. علي بن سنان الموصلي :
وهذا مهمل في كتب الرجال، لم يرد له فيها ذكر، لا بمدح ولا قدح، فيكون مجهول الحال.
٢. أحمد بن محمد بن الخليل :
وهو مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح و لا ذم، فلا يعرف من هو و قد اعترف بذالك ناظم العقيلي وهو من المدافعين بشدة عن أحمد إسماعيل البصري والمروجين له في كتابه(انتصار ل لوصية)حيث قال:
(ولم بيق أحد من رواة الوصية لم يعلم تشيّعه إلا أحمد بن محمدبن الخليل.)٢
قلت: مضافا إلى أنَّه لا يعلم تشيعه فإنّه لم ينص أحد على وثاقته،وهذا كافٍ في إسقاط الرواية من أساسِها.
٣. جعفر بن أحمد المصري :
وهو مهمل في كتب الرجال أيضا، لم نجد له ترجمة، ولم نجد من قال بوثاقته.
٤. الحسن بن علي عم جعفر بن أحمد المصري
وهو كسابقيه، مهمل في كتب الرجال، لم يذكروه بمدح ولاقدح،فيكون مجهول الحال.
والنتيجة :
أنَّ أكثر رواة روایة كتاب (الغيبة)مجاهيل، لا يعرفون من هم، ولم تثبت وثاقتهم، فتكون الرواية ساقطة، لا تصلح للاستدلال بها على شيء، فضلا عن صلاحيتها للاستدلال على إثبات اثنى عشر مهدی بعد الإمام المهدى، المنتظر عليه السلام.
أقوال العلماء في رواية الوصية :
قال الشيخ المجلسي بعد أن ذکر بعض الأخبار الظاهرة في أن بعد الاثنى عشر إماماً اثنى عشر مهدياً ، هذه الأخبار مخالفة للمشهور، وطريق التأويل أحد وجهين.
الأول: أن یکون المراد بالاثنى عشر مهدياً ، النبي وسائرالأئمة سوى القائم عليه السلام ، بأن يكون ملكُهم بعد القائم (ع)، وقد سبق أن الحسن بن سليمان أولها بجميع الأئمة، وقال برجعة القائم (ع)بعد موته، وبه أيضا يمكن الجمع بين بعض الأخبار المختلفة التي وردت في مدة مُلکه.
والثاني: أن يكون هؤلاء المهديّون من أوصياء القائم، هادین للخلق في زمن سائر الأئمة الذين رجعوا، لئلا يخلو الزمان من حجة، وإن كان أوصياء الأنبياء والأئمة أيضا حُجَجاً، والله تعالى يعلم.٣
وقال الشيخ البياضي العاملي :
الرواية بالاثني عشر بعد الاثني عشر شاذة، ومخالفة للروايات الصحيحة المتواترة الشهيرة بأنّه ليس بعد القائم دولة، وأنه لم يمض من الدنيا إلا أربعين يوما فيها الهرج، وعلامة خروج الأموات، وقیام الساعة.
إن قلتَ: قال في الرواية: فإذا حضرته يعني المهدي (ع) الوفاة فليسلمها إلى ابنه ينفي هذا التاويل.
قلتُ: لا يدلُّ هذا على البقاء بعده، يجوز أن يكون لوظيفةِ الوصية لئلا يكون ميتةً جاهلية، ويجوز أن يبقى بعده من يدعو إلى إمامته، ولا يضرُّ ذلك في حصر الاثنى عشر فيه و في آبائه٤.
إذا عرفت ما قاله علماء الطائفة في هذه الرواية ونحوها نقول إنَّ أئمة أهل البيت أمروا شيعتَهم بالأخذ بما يرويه الأعدل والأفقه والأصدق والأورع في الحديث، ويؤخذ بالمشهور عنهم ، ويترك الشاذ النادر، كما ورد عن ابن أبي جمهور، عن زرارة بن أعين، قال: سألتُ الباقر عليه السلام فقلت: جعلتُ فداك، يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان،
فبأيِّهُما آخذ؟ فقال: ( یا زرارة، خُذ بما اشتهر بين أصحابك، ودع الشاذ النادر) فقلت : ياسيّدي إنها معاً مشهوران مرویان مأثوران عنكم.
فقال: (خُذ بما يقول أعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك”.)٥
ولا شك في أن رواية المهدين الاثني عشر من أولاد الإمام المهدي المتظر (ع)رواية شاذة مخالفة لما تواتر عنهم من أن الأئمة اثنا عشر لا يزیدون ولا ينقصون، مضافا إلى أن هذه الرواية قد رواها
المجاهيل الذين لا يعرفون، وأمّا الروایات الحاصرة للأئمة في اثنى عشر فقد رواها الثقات من أصحاب الأتمة خلفا عن سلف وهذا كله يحتم علينا طرح رواية المهديين الأثني عشر من وُلد الامام القائم عليه السلام.٦
١. الغيبة (للطوسی) ج ۱، ص ۱۵۰.
٢.انتصاراً للوصية ، ٤٥.
٣.بحار الانوار ، ج ٥٣ ، ص ١٤٨.
٤. صراط مستقيم ج ٢، ص ١٥٢.
٥. الوافي ج ۱، ص ۲۹۱
٦. الرد القاصم لدعوة المفتري عل الإمام القائم، ص ٣٧.
أضف تعليق